في البداية أود أن أرحب بمشاركة معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد/ أنتونيو غوتيرش وأثني على حرصه لحضور هذه الجلسة الهامة والتاريخية التي تتناول أبرز قضية مصيرية انشغل بها المجتمع الدولي على مدى أكثر من خمسة عقود، ما زلنا نشهد خلالها استمراراً لانتهاكات لم تتوقف للقانون الإنساني الدولي في ظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة، وهو احتلال تدينه وتشجبه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتدعو إلى إنهائه
كما أتقدم بالشكر إلى منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط السيد/ نيكولاي ميلادينوف على إحاطته القيمة
إن مشاركة فخامة محمود عباس، رئيس دولة فلسطين الشقيقة معنا اليوم في هذه الجلسة وأثناء تولي بلادي رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، هي مشاركة نتشرف بها ونعتبرها فرصة ثمينة أتاحت للجميع الاستماع بشكل مباشر إلى صاحب هذه القضية العادلة وما يتوجب علينا القيام به كأسرة دولية بهدف الالتزام بما نصت عليه مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة في سبيل تمكين الشعوب من تقرير مصيرها
لقد تعهدت دولة الكويت قبل أن تتسلم مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن مطلع هذا العام، ببذل كل المساعي والجهود لدعم القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، فضلاً عن كونها تُمثل إحدى أعمدة سياسة الكويت الخارجية، وانطلاقاً من التزامها الثابت والمبدئي في حمل هموم وتطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق نحو إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، من خلال تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة
ما زالت إسرائيل باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال تضع العراقيل وتقف حائلاً أمام إنجاح مسيرة السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط، ومن الواجب علينا ومن منطلق مسؤوليتنا المشتركة في هذا المجلس في صيانة السلم ولأمن الدوليين، أن نحرص ونشدد على تنفيذ قرارات المجلس الملزمة لكل الدول الأعضاء بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، فكيف لنا أن نتغاضى عن عدم اكتراث هذا الاحتلال بالأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، التي تُمثل حالة صريحة من حالات الخرق المادي لأحكام القانون الدولي، الذي يُعد في عصرنا هذا الحَكَم في العلاقات الدولية
لقد شهدت عملية السلام في الشرق الأوسط محطات عديدة ومبادرات دولية أفضت إلى صدور العديد من القرارات الأممية، إلا أن عدم الالتزام بتلك القرارات فاقم من المآسي الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل، وزاد من التوترات في المنطقة، وانسحب ذلك على قضايا الأمن والاستقرار الدوليين، وبدأنا نشهد ظهور أزمات أخرى في المنطقة، بدأنا نعاني منها جميعاً، كالتطرف والإرهاب، وهي كلها قضايا لا يمكن حلها دون حل جذور المشكلة وجوهر الصراع، ألا وهي القضية الفلسطينية. ورأينا جميعاً تبعات القرار الأخير بشأن القدس، الذي يُعد تراجعاً وتعطيلاً لجهودنا، ويشكل إضراراً بعملية السلام وإخلالاً بعملية التفاوض المتوازنة، لذلك نطالب الولايات المتحدة الأمريكية، انطلاقا من ثقتنا بأهمية دورها في عملية السلام، للعمل مع المجتمع الدولي على إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإنهاء احتلالها لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ الرابع من يونيو لعام 1967، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت في عام 2002، من خلال حل سلمي يحقق قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية
قد لا تكون مبالغة إن ذكرت بأن وجود إرادة سياسية لضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2334 ستكون كفيلة لتحقيق ما سبق ذكره، باعتباره قراراً تاريخياً أعاد التأكيد على أهم وأبرز المبادئ القانونية المتصلة بالقضية الفلسطينية، ومن أهم تلك المبادئ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وأنه ينبغي على إسرائيل باعتبارها السلطة القائمـة بـالاحتلال أن تتقيـد تقيـداً صارماً بالالتزامات والمسـؤوليات القانونيـة الملقـاة علـى عاتقهـا بموجب اتفاقيـة جنيـف الرابعة لعام 1949 المتعلقـة بحمايـــة المدنيين وقـــت الحـــرب، علاوة على إدانة القرار لجميـع التـدابير الراميـة إلى تغـيير التكـوين الـديمغرافي وطـابع ووضـع الأرض الفلسـطينية المحتلـة منـذ عـام 1967 بمـا فيهـا القـدس الشـرقية، إضافة إلى إدانة مجلس الأمن في القرار 2334 النشاط الاستيطاني الإسرائيلي واعتباره عملاً غير شرعياً وغير قانونياً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وما يمثله من عقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحـلال السـلام الدائم والشامل. ليس ذلك فحسب، فقد أكد القرار 2334 كذلك على عدم اعتراف مجلس الأمن بأي تغييرات في خطــوط الرابــع مــن يونيو لعام 1967، بما في ذلك مـا يتعلـق بالوضع القانوني والتاريخي للقدس باعتبارها أحد قضايا الوضع النهائي
ومع مزيد من الأسف، وبعد مرور أكثر من عام على صدور ذلك القرار التاريخي، فإنه يبقى دون تنفيذ، بل أكثر من ذلك، عندما أُنتهكت أحكام القرار وبدأنا نشهد المستويات القياسية غير العادية لنشاط إسرائيل الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة من تشييد لمستوطنات جديدة وتوسيع للمستوطنات القائمة في تحدٍ صارخ وسافر للقرار 2334، وبالتالي تشريد قسري لأصحاب الأرض من الأسر الفلسطينية، وإن دولة الكويت تدين بشدة سياسات إسرائيل غير القانونية وغير الشرعية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق غير القابلة للتصرف
كما لا يفوتني أن أتطرق إلى الوضع الإنساني في قطاع غزة الذي نتابعه بقلق بالغ بسبب ما يجري مؤخراً من آثار خطيرة على حياة مليوني فلسطيني من أهل القطاع لتعطل أغلب الخدمات الأساسية بما فيها المرافق الصحية، وهي نتيجة حصار ظالم وجائر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، وندين مجدداً ما تقوم به إسرائيل من ممارسات غير إنسانية تمثل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وهذا الحصار المفروض على غزة يُمثل إحدى صور تلك الانتهاكات. وأعيد التأكيد على أن دولة الكويت لن تدّخر جهداً في الوقوف إلى جانب أشقائها الفلسطينيين في كافة الأراضي المحتلة
إن دولة الكويت تؤيد المطلب الفلسطيني إزاء تفعيل بعض الآليات الدولية الموجودة حالياً، كاللجنة الرباعية، من خلال توسعة عضويتها لتشمل دولاً عربية تضيف إلى أعمالها مزيداً من الحيوية. كما تدعم جميع الخطوات القانونية والسلمية التي تتخذها دولة فلسطين الشقيقة على المستويين الوطني والدولي لترسيخ سيادتها على القدس الشريف والأرض الفلسطينية المحتلة
ينتظر الشعب الفلسطيني من الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، تفعيل ما آلت المنظمة على نفسها تحقيقه في سبيل صيانة السلم والأمن الدوليين، وفي هذا الصدد نجدد تضامننا ووقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في الدفاع عن قضيته العادلة وحقوقه المشروعة، بما في ذلك حقوقه التاريخية والثابتة في القدس والتي كفلتها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ونؤكد بأن القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين وندعو الدول إلى الاعتراف بدولة فلسطين وبالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لها
وختاماً، أجدد دعوتنا لكم جميعاً لحضور الاجتماع الذي نعتزم عقده بصيغة آريا Arria Formula بعد يومين بالتعاون مع مجموعة من أعضاء مجلس الأمن، لمناقشة وضع الشعب الفلسطيني بعد مرور خمسين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة، ولنستكمل الحديث عن حالة تنفيذ القرار 2334 (2016) بعد مرور أكثر من عام على صدوره
أستأنف مهامي الآن بصفتي رئيساً للمجلس، واعطي الكلمة لممثل
Copyright © 2018 • All Rights Reserved • Permanent Mission of the State of Kuwait to the United Nations